فى أصحاب كل دين ميل دفين للاستئثار والاستحواذ واستبعاد الأديان الأخرى، كأن هذه الأديان ستشاركهم فى «فطيرة» الدين.
ولكن الأديان نفسها لا ترى الدين «فطيرة» يكون من حق أصحابها وحدهم أن يأكلوها ويرفضوا أن يشاركهم آخرون، فالدين الحق أفكار وقيم، والأفكار والقيم والمثل لا تنفد، ولا ينقصها كثرة المهتدين بها، وهى تقدم هدايتها للجميع دون أى حساسية.
ومن تطبيقات هذه الفكرة أننا نحصر الأديان فى الأديان الثلاثة السماوية «اليهودية، والمسيحية، والإسلام»، وقيل إن الدستور المصرى لا يعترف بغيرها.
ولكن هذه الفكرة التى يبدو فيها شيء من الانفتاح تخالف ما ذهب إليه الإسلام ويرى فيها تحديدًا لأمر لم يحدده، لأن القرآن يرى أنه ما من أمة إلا وكان فيها نذير، والآية ١٦٤ من سورة النساء «وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا»، فأثبت أن هناك رسلاً لم يذكرهم القرآن.
من هم هؤلاء الرسل؟؟!!
هذا ما لا يمكن أن نقطع به لأن هذا يكون نوعًا من المصادرة على القرآن أو افتئاتـًا عليه، ولو أراد الله أن يُعْرفَوا لعرَّفنا بهم .
الفكرة التى أرادها القرآن هى أن لا يترك أهل كل دين يستسلمون لمشاعر الحرص والاستحواذ والتفاخر بالأديان أو التكسب من وراء الدين، لأن الله تعالى أرسل رسلاً لا تعرفونهم، فلا تدعوا أن غيركم لم يرسل إليه، وأنكم وحدكم أصحاب الرسالة.
وإذا قال أحد الناس إن «بوذا» أو «كونفشيوس» أو «أفلاطون»، رسول، فنحن لا نملك النفى إلا إذا كان فى أقوالهم أو أعمالهم ما يخالف ما يفترض أن يتوفر فى رسل الله من كمال .
والأفضل لنا أن نضرب عن مثل هذا التساؤل، وأن نعكف على أنفسنا إعمالاً لقول الله «لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»، فإذا كان هذا هو هدى القرآن بالنسبة لمن قطع القرآن بضلاله، فما بالك وليس لدينا ما يقطع بضلال أمثال بوذا وأفلاطون وكونفشيوس؟
وإذا كانت أمة من الأمم تتخلق بخلائق جميلة، وتتصف بقيم سامية، وتهذب سلوكها فى الحياة، فلماذا لا يكون ذلك عائدًا إلى رسول أرسله الله إليهم، خاصة أننا لا نعدم أحاديث مبهمة عن قادة لم يهتموا بفتوح عسكرية، ولكنهم استهدفوا هداية الناس، وتوجيههم للخير والحب والحرية والمعرفة، وهذه هى مهمة الأنبياء والرسل .