لا يستخدم القرآن كلمة عورة إلا لما يستقبح أو يكون مكشوفا.
فى الآية ٥٨ من سورة النور، وضّح لنا القرآن الأوقات التى لا يجوز لأحد أن يزور فيها آخر، فقال: «يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت إيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم».
يحدد لنا القرآن الكريم ثلاثة أوقات يفترض ألا يأتى زائر فيها، هى: أولاً من قبل صلاة الفجر، وثانياً حين يضعون أى يخلعون ثيابهم من الظهيرة، وثالثاً من بعد صلاة العشاء.
وبرر القرآن ذلك بأن هذه الأوقات «عورات»، بمعنى أنها الوقت الذى يقوم الإنسان فيه من نومه ويغلب أن يخلع ملابسه ليبدأ فى الاغتسال لإزالة آثار النوم، وفى الوقت الثانى حين يلوذ الإنسان بالقيلولة ظهرا عندما يعود من عمله ويخلع ملابسه ويتخفف منها إيذانا بالنوم، وهذه القيولوة أمر طبيعى فى البلاد الحارة، إذ لا يمكن مواصلة العمل دون أخذ هذه الراحة، وأخيراً بعد صلاة العشاء عندما ينتهى اليوم ويستعد الإنسان للنوم ويخلع ملابسه.
وعادة ما تقرن هذه الفترات التى تأتى بعد نوم وتستتبع خلع ملابس، بوجبة طعام قد تكون الإفطار وقد تكون الغداء وقد تكون العشاء، مما يوجد ظرفاً مضاعفاً يحول دون استقبال زائر.
يفترض فى كل واحد يتأدب بآداب الإسلام أن يتجنب الزيارة فى هذه الأوقات حتى لا يحرج صاحبه، خاصة وقد جاء فى الآية ٢٨ من السورة نفسها «وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا»، وهذا عقاب لمن يأتى دون ميعاد، وإذا كان استقباله يحرج صاحبه أو يقلب ترتيباته، فإن من حقه أن يقول له ارجع، ومن واجب هذا الزائر أن يتقبل هذا قبولاً حسناً لأنه نتيجة طبيعية للقدوم دون سابق إذن ودون معرفة بظروف صاحبه.
كنت فى زيارة للخرطوم، وفى فترة الظهيرة وبعد أن بدأت نوم القيلولة إذا بالباب يطرق ويخرج مضيفى ليقابل زائره معانقاً مرحباً، وبعد أن انصرف قلت له كان من حقك أن تقول لهذا الزائر ارجع، فقال لو قلت له ذلك لرآنى قاطعاً للرحم، مخالفا للذوق والأدب، رافضا للود، مرتكباً إهانة ولفضحنى.
وأنا شخصياً لا أكاد آوى إلى سريرى بعد عمل مرهق، وأبدأ القيلولة حتى يدق جرس التليفون، فالصحفيون والصحفيات يأتون مكتبهم فى الظهر تقريباً، وما إن يجلسوا حتى يبدأوا مكالماتهم التليفونية لإجراء تحقيق صحفى مع عباد الله الغلابة.
إنه لمن العار أننا لا نلم بآداب الإتيكيت واللياقة، فهى فى الغرب أصبحت عُرفاً متبعا دون أن يكونوا فى حاجة لتعليمها، أما نحن فعلينا أن نتعلمها، وقد علمنا إياها القرآن.